المادة    
هناك إشكالية يجب أن تُذكر؛ لأنها إشكالية لله تعالى فيها حكمة تخفى على كثير من الناس, ويتكلم ويكتب عنها الكثير منذ القدم إلى الآن, ولم يفقهوا ويتفطنوا إلى السر فيها؛ هذه الإشكالية هي: أنه لا تتطابق السنة الفلكية أو السنة المدارية -سواء كانت قمرية أو شمسية- مع الحساب، يعني: ليست السنة الشمسية ثلاثمائة وستين يوماً, ولا ثلاثمائة وخمسة وستين أو ستة وستين يوماً، وليست السنة القمرية ثلاثمائة وخمسين ولا وخمسة وخمسين مثلاً، فلا تتطابق بالدقة التي يريد البشر أن تتطابق بها, وأن يعرفوه بها.
ومن هنا نشأت إشكالات من تحريفات وتبديلات البشر؛ عندما يتبعون أهواءهم, وينصرفون عن نور الوحي, وعما كان عليه الأنبياء، حتى أننا نجد الآن أن المراجع الكتابية من دوائر معارف وشروح الكتاب المقدس وغيرها تقول: إن اليهود اعتمدوا على التقويم البابلي الذي كان يحسب السنة بناء على الشهور القمرية.
والحقيقة: أن أنبياء بني إسرائيل الذين أخبرنا الله تبارك وتعالى عنهم, وتواتر عند جميع الملل أنهم يبعثون كلما هلك نبي خلفه نبي؛ هم الذين كانوا يعلمون الناس ذلك، وبابل وسومر لهم أنبياؤهم, وقد علموا الناس ذلك, وبمعنى آخر: نستطيع أن نقول: إن اعتبار الأهلة والشهر القمري هي ميراث الأنبياء, وعمل الأنبياء بوحي من الله تبارك وتعالى -على ما نوضحه إن شاء الله آخر اللقاء- فليست القضية أن اليهود أو الأمم الكتابية أخذت عن بابل؛ بل الجميع أخذوا عن الوحي.
المقصود: أنه حصل من عدم التطابق بين السنة الفلكية أو المدارية وبين السنة الحسابية إشكالات -لا مجال الآن للتفصيل فيها, والمختصون يعرفونها- وهي أنه لا بد أن تكون هناك -على أي اعتبار اعتبر- زيادة أو نقص في الأيام, يعني: لا بد من خلل وعيب في حساب الأيام؛ وهذا الخلل قد يحسب بالأيام أحياناً, وقد يصل إلى أكثر من ذلك, وقد يكون أقل من ذلك, ومع تراكم القرون فإن الثواني تصبح أياماً فضلاً عن غيرها, نتيجة لهذا كانت التقاويم مختلفة, وكانت كل أمة تحاول محاولات شتى إصلاح أفضل تقويم، إما عن طريق السنة الكبيسة, وإما عن طريق غيرها, ولا يزال -وإلى اليوم- أمر البشرية لم يستقم أبداً على تقويم صالح وسليم إلا بالطريقة الإسلامية, كما سوف نعرضها إن شاء الله تبارك وتعالى في آخر اللقاء.